هذا ليس واقعك.. هذه ليست حياتك.. إصبر قليلا
رواية المهووس وراقصة الباليه - الفصل 1
مكاناً ريفيٌ جميل يحتوي على مختلف الاشجار ذوات الالوان المختلفة من الاصفر والاخضر وحتى الوردي المعروف بالساكورا، ونهراً هادئاً يجري من تحت جسرٌ ذو ماءاً صافي ويصدر صوت خرير بسبب تضارب المياه مع بعضها مصدرة صوتاً عذباً، وأرض سهلية منبسطة ذات عشب مرتفع نوعاً ما يشعرك بدغدغة في أقدامك اذا ما دخلت فيه وانت حافي القدمين، وتلك الفتاة ذات الشعر الاسود القاني الذي يتحرك بفعل النسمات الهادئة وكان ما يميزه هو إحتواءه على خصلة بيضاء واحدة تبرق من بين خصلات شعرها الاسود، تجلس تلك الفتاة على الارض المنبسطة وبجانبها الوان رسمها وفرشاتها الملطخة بتلك الالوان فاصلة نفسها عن العالم الخارجي بسماعات إذن وتستمع الى إغنية هادئة جاعلة من الصوت مرتفع الى أعلى حد، وتحرك يدها الممسكة بالفرشاة على اللوحة التي أمامها وترسم لوحتها بأتقان حيث كانت تتضمن فتاة صغيرة ترقص الباليه في أرض تشابه الارض التي تجلس فيها، نزعت السماعات من على إذنيها لتردف بعدما إستندت على الارض بكلتا يداها رافعة رأسها الى الاعلى لتغمض عيناها وهي تستنشق الهواء النقي الذي يختلف عن هواء المدينة المعبئ بدخان السيارات والملوثات، "حقاً اليونان بلد يستحق الزيارة "، قهقهت بخفة وكأنها طفلة لتستقيم بطولها حاملة لوحتها معها، مع فرشاتها والوانها التي وضعتهم في علبتهم المخصصة لتسير ببطئ تمتع نظرها بالجمال المحيط بها ريثما تصل الى موقف الباصات.
رجلٌ ذو ملامح حادة.. شخصية مُسيطرة، جسدٌ ضخم وذراعين كالحديد ،مملوئات بشتى الوشوم اذا حدث ووقعت عيناك على أصابعه فستجد على أصابعه موشوم كلمة "D e a t h" على كل أصبعٍ من أصابعه حرفاً، اذا صعدت قليلاً ستجد وشماً على شكل أفعى ملتفة حول معصمه وكأنها إسوارة، إذا صعدت قليلاً ستجد وشماً كبيراً على طول ذراعه بحروف روسية غير مفهومة ويلتف حولها العديد من الاشواك وسيف طويل يخترق الكلمات، رجلاً بجسد ببنية جسدية ضخمة، ونظرات خالية من المشاعر بسبب ما جابهه من حروب بمفرده.
إلتقط إحدى سيجائره ذات الصنع الفرنسي العتيق ليمسكها أرجع رأسه الى الخلف متكئاً بهِ على حافة الكرسي الذي يجلس عليه ،ليفتح فحميتاه تزامناً مع نفثه لدخان السيجارة الى الاعلى، قاطع خلوته دلوف رجلاً بعضلات مفتولة لا تقل عنه ضخامة، وملامح وجه باردة وكأنه قد صُنع للقتل فقط، وعينان عسليتان حادتين وحاجبين كالسيف ليردف قائلاً " لقد أخذ الفلاش معه وهرب " أردف ذلك الرجل الذي يبدو في منتصف عقده الثاني ليرد عليه آريوس قائلاً تزامناً مع دخول رجلاً آخر الى مكتبه "هل تنتظر مني ان أعطيك امراً بما ستفعله يا آدم"، انهى كلامه معتدلاً في جلسته وما زالت تلك السيجارة تتوسط اصابع يده آدم يمتاز بشخصيته الباردة اللامبالية والهادئ حتى في أصعب المواقف، مهووس بصناعة مختلف القنابل الكبيرة و حتى اليدوية ويستطيع تفكيك أعتى المتفجرات لخبرته بهذا المجال و جيد بأطلاق الاسهم و المبارزة وقد تم تعيينه كقائد للفرقة الثانية التي تحتوي على 400 رجلاً تحت تحكمه، حول آريوس نظرات الحادة من آدم الى زاك ليردف قائلاً مرة أخرى "حقاً، لا اصدق كيف لرجل كهلاً يسرق شيءً ثميناً من قائدي فريقين مهمين !"، زاك هو قائد الفرقة الاولى الذي تغلب على آدم في الذكاء، يمتاز بأنه شخصية حيادية وايضاً نقيضٌ لكلاً من آدم وآريوس على الرغم من وحشيته الا إنه يبدو الى الناظر على إنه لطيف ويمتلك عقلٌ داهية ذو تخطيط إجرامي.
وقف آريوس من على مقعده لتبرز عظلات جسده التي كانت مغطاة بالطاولة التي أمامه، فهو ذو قامة طويلة وأقدام ممتلئة بالعظلات، ولا ننسى ذلك القفاز الذي لا يفارق يده اليمنى الممسكة بالسيجارة، إذا كان كلاً من أعوانه يمتازون بصفات جعلتهم قادة لرجاله فهو يمتلك جميعها هذا ما خوله الى ان يكون زعيمهم، أخذ نفساً من سيجارته لينفثه بعد ذلك "جدوه"، تمتم بصوته الخشن الذي يثير الرعب بنفوس الجميع وخصوصا أعدائه رن هاتف آدم ليصدح صوته في أرجاء المكتبة، أخرجه من جيبه ليفتحه ولم يكن سوى صديقهم الثالث سيث فهو قائد الفرقة الثالثة أسمر البشرة ذو شعرٌ كستنائي وعينان خضراء، هناك ندبة رُسمت بأتقان فوق حاجبه وكأنها مفتعلة من قبل شخص ما لدقة شكلها، ذو شخصية مزاجية متقلبة لديه بالحزام الاسود بالتايكوندو، لديه خفة في الحركة بسبب عمله كسارق عندما كان طفلاً، " ماذا الان"، رد زاك عليه بملل لالحاحه في الاتصال في كل مرة يقوم برفضه، "لقد وجدت ذلك اللعين"، إعتدل زاك في وقفته مخرجاً يده من جيب بنطاله، ليفتح سماعة الهاتف لكي يسمعه الاخرون، "إنه في الريف الشمالي"، إبتسم آريوس إبتسامته المختلة، ليرامي سيجارته أرضاً داعساً عليها بحذائه ببرود ليتمتم تزامناً مع إختفاء إبتسامته المخيفة ليحل بدالها ملامح وجهه الباردة التي لا تدل على خير. " لقد تم تحديد الوجهة".
في الطرف الاخر عند تلك الحسناء التي كانت تدور حول نفسها كالفراشة في تلك الارض المخضرة التي ابدع الخالق في خلقها، وتطلق صفيراً ناعماً على شكل لحن ما إعتادت سماعه عندما تتدرب على حركات رقصها للباليه، لمحت من بعيد رجلٌ كهلاً يبيع الزهور بشتى ألوانها البديعة إبتسمت بخفة لتركض باتجاهه، قافزة هنا وهناك لعلها تختار شكل باقة وردها الخاصة إبتسم العجوز بحب لهذه الحسناء ذات التصرفات العفوية الممتلئة بالحيوية، " عمي أريد صنع باقتي بنفسي، هل أستطيع ؟"، تمتمت بخفة وهناك إبتسامة عريضة ترتسم على وجهها البريء، هز العجوز رأسه مومئاً بالموافقة بعدما صدرت منه قهقهة خفيفة، صفقت الاخرى بمرح لتنتقي زهرتين ذات حمرة قانية مع أخرى بيضاء، وتليها أخرتين صفراوات لتختم باقتها بجورية ذات لون أسود فقد جذبها لونها النادر، مدت يدها الى العجوز الذي كان يراقب حركاتها والتعابير التي تصنعها على وجهها عندما تريد إقتناء زهرة ما، " لديكِ حس فني أيتها الجميلة "، إرتسمت إبتسامة عريضة مع إتساع عيناها لذكاء الرجل الذي امامها لتردف بسرعة غير تاركه له المجال للرد "بالفعل انا أستطيع الرسم ورقص الباليه"، انهت كلامها رافعة اللوحة التي رسمتها امام وجهه، تمتم الرجل العجوز بكلمات باللغة الفرنسية لم تستطع فهمها لكن فهمت من خلال ملامح وجهه بأنه قد أُعجب باللوحة، غلف الرجل الباقة لها ليسلمها إياها تزامناً مع إعطاءه للاموال، اخذت الباقة مع لوحتها لتسير بأتجاه موقف الباص.
بعد مرور فترة وصلت الى موقف الباص وكان الباص لم يصل بعد، وجدت رجلاً آخر يرتدي قبعة سوداء يقف بجانب المقعد ويبدو هو الاخر ينتظر الباص، لم تهتم كثيراً لتجلس على المقعد المخصص للانتظار مستغلة الامر في تمرير نظرها حول المكان. أثناء ذلك لمحت من بعيد شيئاً لامعاً في المبنى الضخم المقابل لها، فقد بَرقت اللمعة بعيناها مما سبب الازعاج لها، عقفت عيناها بأنزعاج لتدقق النظر في ذلك الشيء اللامع لكن لم تستطع بسبب بعد المسافة، ولم تكن هذه اللمعة سوى مرآة سلاح آدم للتنقيص الذي كان يراقب فيها الوضع عن بعد منتظراً إشارة زعيمه.
ويقف بجانبه كلاً من آريوس بملامح وجهه الحادة وكآنه أحد الاساطير اليونانية القديمة، وزاك وسيث اللذان كانا متكئين على الحائط يراقبون الوضع من بعيد عبر المنظار اللذان كانا يتشاجران عليه، وصل الباص ليصعد الرجل ثم تلته هي جالسة في آخر مقعد في الباص، بسبب كبر حجمه، زفرت الهواء النقي بهدوء لتنقل بصرها بين الرُكاب، لمحت في اول مقعد فتاة شابة تبدو بعمرها ذات ملامح مثيرة، تقسم بداخلها بأنها لو اتت الى المدينة سيتم تعيينها كعارضة أزياء، لكن عيناها تبرق بالحزن !
نقلت بصرها مرة اخرى لتجد عجوزة قد مر عليها الزمن واظهر شحوب وتجاعيداً على وجهها ويجلس خلفها ذلك الرجل الذي كان ينتظر معها في موقف الباص، وهي الشخص الرابع في ذلك الباص اللطيف كما أطلقت عليه، فهي ترى جميع الاشياء من جانب إيجابي متغاضية عن الجوانب السلبية بسبب حسها الفني وروحها البريئة من هذا العالم القذر، إنطلق الباص ببطئ وبسبب تحركه سقطت لوحتها بجانب قدم ذلك الرجل، ليلتقطها بيده وهناك إبتسامة مصطنعة رسمها حالما أمسك اللوحة " إنها جميلة "، تمتم بهدوء مستغلاً براءة تلك الفتاة التي إبتسمت حالما سمعت كلامه.
ليلصق آلة صغيرة الحجم في الغطاء الخشبي للوحة في مكان بعيد عن الاعين " حقاً !!، اشكرك جداً "، تمتمت الاخرى بذهول لتلتقط منه اللوحة بأبتسامة تشع على وجهها غير عالمة بخبث ونوايا الرجل الذي كان يمدح لوحتها الان ،ويبتسم لها بأصطناع على كل حال هنالك العديد من المخادعين في العالم فليس كل نجمة لامعة هذا يعني إنها جميلة !فبعضاً منها ليست سوى أنقاضٌ لنجمها الذي تفجر منذ عقود ولم يصل الينا الان سوى لمعان إنفجارها، على الجانب الاخر في ذلك المبنى الضخم حيث تقف تلك الاجساد بنظراتهم التي تراقب عدوهم ببراعة وكأنهم ذئاب مستعدة لنهش لحم ضحيتهم التالية " أريده حياً"، أعطى آريوس أمره الى آدم الذي كان مستعداً كل الاستعداد لكي يتلقى امراً منه أنزل سلاحه الى الاسفل قليلاً حيث عجلات الباص المتحركة ليبدأ بالعد التنازلي بخفوت وصل الى مسامع الثلاث الاخرين بسبب هدوء المكان.
إنطلقت رصاصته من سلاحه من دون ان تصدر ضجة بسبب وضعه كاتماً للصوت، لتستقر في عجلات السيارة الخلفية، إختل توازن السيارة تحت هلع الركاب الذين في الداخل، حاول السائق ان يسيطر على حركتها لكي لا تنقلب، بسرعة تمسكت العجوز بالكرسي الامامي والهلع يسيطر على ملامح وجهها اما تلك الفتاة الشابة التي لم تصدر اي صوت فقط رسمت ملامح مذعورة، اما بطلتنا التي خرجت منها صرخة ليصطدم الباص في نهاية المطاف بأحدى الاشجار التي كانت على جانب الطريق، سار آريوس ببرود وخطواتٍ ثابتة وكأنه ينافس الكون بقوته، وخلفهِ آدم الذي حمل سلاحه على كتفه ليتبعه كلاً من زاك بملامحه المستمتعة، سيث الذي أخذ بتأفأف بأستمرار ويتبعهم خلفهم موكبهم من الحرس والسيارات التي نقلتهم، وقف كلاً منهم بجانب الباص مفسحين الطريق لاريوس لكي يدخل متفحصاً عدوه بنفسه، فأكثر ما يمقته زعيمهم هي الخيانة والهروب كالجبان.
دخل الى الباص الذي كانت يخرج بعض الدخان من مقدمته بسبب الاصطدام، خطى اولى
خطواته داخله ليصدر منه صوت خطواته الثابتة على أرضيته ،نقل بصره في الارجاء
حيث كانت زهوراً ما منتشرة حولهم بشتى الوانها، إبتسم بسخرية ليردف بخفوت "إنها
زهور قبوركم "، أكمل سيره ليقع بصره على تلك العجوز التي قد فارقت الحياة بسبب
عدم تحملها للخوف.
أدار رأسه الى الجهة الاخرى بملامح خالية من المشاعر،
وكأنه جلمود بلا مشاعر قبض على شعر الرجل من الخلف بقوة جاراً إياه لمرآى عيناه
،وضع كلتا إصبعيه على نبضه الذي في رقبته، زفر بضيق لكونه مات قبل ان يحضى
بمتعتة تعذيبه، ترك شعره بقوة حتى إصطدم وجهه بمقدمة الكرسي الذي امامه، رفع
بصره الى الامام ليقع نظره على ذلك الجسد الصغير الذي يفترش أرض الباص في
المقعد الاخير، وبعضاً من خصلات شعرها متدلية على وجهها.
تقدم منها بخطواتٍ ثابتة كانت قد وصلت الى مسامع الڤينيا، فتحت عيناها ليقع بصرها المشوش على حذاء أسود مخملي ،دنى الاخر الى مستواها لترى آخر شيء قد لمحته وهو قفاز يده الاسود قبل ان تغرق في عالمها، أمال الاخر برأسه يميناً حالما رأى خصلة شعرها البيضاء التي كانت نقيضاً لشعرها الفحمي ليتمتم بسخرية لاذعة في داخله تزامناً مع نهوضه، "الفتيات وصبغات الشع..."
توقف لوهلة عن إكمال كلامه حالما مرت لمحة من ماضيه امام ذاكرته،《 فتاة صغيرة بشعر أسودٌ قصير وعلى جانبه خصلة بيضاء ترقص على حافة النافورة في المدرسة وكأنها فراشة تقفز من زهرة لاخرى 》إستدار نحوها مرة أخرى ممسكاً بالخصلة التي ميزت شعرها، متمعناً في ملامح وجهها الهادئة خرج من شروده على صوت زاك الذي وقف بجانب بوابة الباص ماداً رأسه اليه " آريوس اخرج لنحرق الباص بركابه "، ادار الاخر رأسه اليه ببرود وهو ما زال على وضعه ليردف قائلاً ببرود متناهي وهو ينظر الى وجه تلك الفتاة ذات الملامح الهادئة " لن نحرق شيئاً، أرسل الركاب الى المستشفى"، انهى كلامه لينهض بطوله والهالة التي تثير الرعب بنفوس الناس.
خرج من الباص تحت أنظار الثلاي المستغربة من فعلته لطالما كان يمحي كل أثر خلفه، لكنه الان ببساطة يترك خيطاً لفعلتهم هم ليسوا خائفين على أنفسهم لكن إستغربوا تصرفه "أيها الفشلة لم تكن الفلاشة بحوزته، جدوه قبل ان أقتلع رؤوسكم "، تمتم بهدوء يتخلله البرود موجهاً تهديده المخيف بنفس غير مبالية لما سيحدث لهم إذا لم يجد ما يريده، توقف عن السير ليلتفت الى سيث قائلاً " أريد أسماء الركاب "، انهى كلامه ليستقل سيارته لينطلق سائقه مغادراً المكان مخلفاً غباراً خلفه ليلحقه سيارات الحرس الخاصين بهِ، "ما اللعنة التي تحدث له؟"، تمتم ذلك ذو المزاج المتقلب بغرابة وهو ينظر الى زاك و آدم بنظرات متسائلة.
قلب عيناه بملل حالما لم يتلقى إجابة منهم ليتوجه كلاً منهم حاملاً إحداً من الركاب لنقلهم الى المستشفى بسبب اوامر زعيمهم التي لا تُرفض عند آريوس الذي كان يمرر إبهامه ببطئ على شفتاه الغليضة وهو ينظر من نافذة السيارة الى الخارج، مردداً إسم طفلةٍ تذكرها على حين غفلة بسبب تلك اللعينة التي في الباص "ألڤينيا".