من بين الرماد
كانت أيامي الاولى بدونه ظلام ووجع وخوف ولا يقين.. كنت اشعر انني اموت كل يوم ولكنني بقيت برأي الناس حية !كان قد مضى اسبوع وانا اعيش في قاع محيط من الحزن والكآبة ابتلعني برحيل يوسف.. كان مستقبلي مجهولاً، لم اكن اعرف ان كان سيتمكن من الوصول الى عالمي.. لم اكن اعلم ماذا يجب علي عمله ونحن مفترقين عن بعضنا ولا اعرف ان كان انتظاري سيغير اي شيء ان كان سيعلق هناك الى الابد.لكنني على كل حال قررت انتظاره، كان قراري هذا هو ما منحني الشجاعة كي انهض من بين الحزن والاسى ولاني علمت ان يوسف لن يكون سعيداً برؤيتي أعاني الحزن، قررت ان ابعد عني كل مخاوفي وتعلقت بخيط امل رفيع كي أواصل الحياة كما لو انه كان مسافراً للعمل وسيعود يوماً ما.
يوماً ما لا أعلم متى يكون، لكني نجحت بذلك، بعد ايام من المحاولة بأن اعود لحياتي السابقة قبل ان اعرف يوسف، بدأت أحقق ما اردت كم هو سهل ان تقع فكل ما يتطلبك منك هو لحظات قليلة، وكم هو صعب النهوض مجدداً ويأخذ منك كل ما فيك من الصبر والعزم لتخطو خطوات أطفال عودة للحياة.فكرة يوسف، صوته ضحكته والطريقة التي كان ينظر بها نحوي وكيف كان يهتم بي، كانت مرشدي في كل ذلك الظلام الذي انتظرته فيه.. كان قد مر شهر بالفعل، وكنت قد عدت للعمل والمشي في شوارع المدينة والشجار مع وفاء كما كنت افعل دائماً.احياناً كنت افكر بأنني خائنة : كيف بإمكاني العودة للحياة بشكل طبيعي وانا اعلم ان يوسف يصارع قوة قد لا يتمكن من الفلات منها لأجلي لكنني بقيت مصممة ان هذا ما كان يوسف ليريده مني.
كنت قد عدت للعيش، لكن كل هدفي كان قد اصبح انتظار من قد لا يعود كنت اشتاق اليه وكنت اترك نفسي لأخرج كل ذلك بالبكاء كل ليلة على وسادتي بصمت دون عّلم احد سريعاً مرت الايام والشهور وكنت لا ازال بكل عناد اعيش بفكرة واحدة هي : يوسف.. يوسف لم املك خياراً اخر كي لا افقد صوابي او اموت كمداً.بدأت ارى الحياة بطريقة مختلفة، وبدأت ارى نفسي بطريقة مختلفة أيضاً.. كنت اعرف ما اريد وذلك منحني الشجاعة لأكون أشياء اخرى.ولاهرب من شوقي ليوسف كنت امشي طويلاً ولساعات وساعات احياناً.. حتى يؤلمني جسدي اكثر من قلبي فاتوقف عن التفكير في مدى اشتياقي له للحظات.خلال ذلك الوقت اكتشفت شيئاً جديداً بعث فيّ املاً جديداً بدأت بالرسم.. لم يكن رسماً حقاً بقدر ما كان اللعب بالالوان بطريقة ما، كنت انفس عن مشاعري وأحباطي من خلال تلك الرسومات التي لم يبدو فيها اي معنى لكنها عنت لي كل شيء.
كان قد مر احد عشر شهراً على غياب يوسف، وكانت امي قد بدأت تضيق ذرعاً بي والسبب، هو انني لم أوافق على الزواج بشخص جلبته خالتي نسرين - مجدداً!كانت تعاملني بطريقة قاسية كما لو انها لم تكن امي كان ذلك يجرحني لكنني فكرت ربما تفعل ذلك بي لتضغط علي لاتزوج.في داخلي كنت واثقة من ان لا شيء في هذا العالم بامكانه جعلي أوافق على الزواج من شخص غير يوسف.. كنت واثقة انه وان كان العالم معرضاً للنهاية بسبب رفضي للزواج بغيره، كنت سأدعه ينتهي.. آه، كم كنت مخطئة !
هذه المرة أتى لخطبتي رجل جديد لقد كان خال احد الطلاب الذين ادرسهم وكان قد رآني سابقاً في منزل اخته وقال بأنه يريد الزواج بي بأي طريقة.كانت امي متحمسة له اكثر من المفترض، ربما لان الجميع يخبرها بأنه رجل غني ولديه عمله الخاص في دولة اجنبية وانه تأخر في الزواج بسبب انه لم يكن مستعداً للاستقرار والمسئولية بعد ضحكت ساخرة من تلك الكلمات لان المعنى الحقيقي لكلامهم انه رجل غيرمسؤول وبالتالي لا يؤتمن لكن لم يسمعني او يهتم برأيي احد.امي كانت مصممة وتخبرني انها ستضطر لتزويجي حتى وان رفضت والدي وقف معها هذه المرة وتخلى عني وهو يقول انه زوج مثالي.
اردت الصراخ لكنني اكتفيت بتهديدهم انني لن أوافق عندما يأتون لخطبتي رسمياً وسأسبب لهم الاحراج، امي لم تعرني بالاً وذهبت لتخبرهم انني وافقت بالفعل دون علمي، وحددت موعد حفلة الخطوبة.كل شيء حدث بسرعة ولم يخبرني احد الا عندما جاءت خالتي نسرين في احد الايام منذ الصباح الباكر.فتحت لها الباب وهي دخلت وبيدها المثير من الحاجيات، نظرت اليها باستغراب " خالتي لماذا كل هذه الاكياس ؟ لم يكن يجدر بكِ احضار شيء.."قاطعتني " ما الذي تتحدثين عنه انها خطوبتكِ لابد ان يكون كل شيء مثالياً اليوم "