أكرهك
اخذ يوسف لحظات قليلة قبل ان يبدأ في قرع الباب وعندما لم اجبه صرخ يسألني " على
الأقل اخبريني كيف اصبتي في رجلكِ ؟" اردت ان افتح الباب وأجري الي حضنه وأحكي له
كل الرعب الذي عانيته وكل العنف الذي تعرضت له.. لكني وجدت ذلك في تلك اللحظة
مستحيلاً قلت وانا اتصنع اللامبالاة " لقد تعثرت من على السلالم قبل فترة لذلك
رجلي مصابة قليلاًعّم الصمت للحظات ثم عاد يدق الباب وسرعان ما توقف وتكلم بصوت
يائس حزين " انتِ الان تقولين انكِ مضيتي في حياتكِ.. ماذا عني ؟ ما الذي يفترض
بي الان عمله اماني ؟ " مسحت دموعي وتمالكت نفسي وقلت " فقط اذهب، يوسف ابدأ حياة
جديدة، رجاء لا تتسبب لي بالمشاكل !لم اسمع رداً وبعد لحظات طويلة بدت كالابد
سمعت خطواته تبتعد عن المكان، كنت متأكدة من ان ما فعلته هو الصواب لكن قلبي كان
له رأي آخر.
ليلتها لم استطع النوم وبقيت طوال الليل أصارع ذكرياتي مع يوسف
التي نهضت من سباتها لتعبث بتفكيري وتفقدني صوابي. كنت مرتاحة لان يوسف تركني
لاني خفت ان يراني في تلك الحالة، ففي حالتي تلك كل ما احتجته هو الوقت لاكتشاف
نفسي مجدداً وفي نفس الوقت شعرت بخيبة الأمل، لم أظن انه سيتخلى عني بتلك
البساطة.
بعدها بعزم وقوة قررت ان ابدأ حياة جديدة انا أيضاً.. حياة لا احتاج فيها الى حب احد، كان ذلك قراري، كنت اعلم اني محطمة واحتاج المساعدة، منذ ذلك الوقت بدأت الذهاب الى جلسات علاج نفسية لاتغلب على تلك الندوب التي تركها محمود في داخلي وبقيت اخبر نفسي ان كل شيء سيكون بخير مجدداً، يوماً ما.
ومرت الأسابيع وانا أخطو كالأطفال ببطء نحو النور مجدداً، ساعدتني جيسيكا في
التواصل مع صديق لها يدير معرضاً ووافق على وضع لوحاتي، كنت استعيد قواي وتعود
الحياة تدب في داخلي كانت جروحي قد تشافت عدا عن رجلي التي كانت لا تزال تحتاج
الى المزيد من الوقت، كان كل شيء يسير على ما يرام، عدا ليلاً.
كنت لا زلت
اشعر بأن محمود سيأتي في اي لحظة ويقوم بضربي كما لو انه لا يزال حياً وعندما
انام كانت الكوابيس تبعد فكرة النوم المريح عني، كنت لا ازال هشة رغم كل شيء،
وكان ذلك يحبطني..
يوسف، كم كنت افكر فيه.. احياناً كنت اوبخ نفسي على معاملته بتلك الطريقة.. حتى
انني لم اخبره ان زوجي توفي !
وأحياناً افكر انه كان الحل الوحيد وانه ربما
لكان سيتخلى عني في كل الاحوال لاني لم انتظره.
وهكذا مشت ايام قليلة على
نفس الوتيرة وفي احدى المرات اثناء عودتي الى شقتي وجدت يوسف واقفاً امام بوابة
المبنى السكني الذي كنت اعيش فيه كنت من رأيته اولاً وفكرت ( حسناً، لا تنهاري
أمامه يا اماني واصلي تمثيلكِ بأن كل شيء على مايرام وانكِ لا تحتاجينه وأنكِ
تعيشين بسعادة مع زوجكِ، نعم الحب الحقيقي ان تترك من تحب عندما تكون انت من تسبب
له الاذى !)
ألتقت عيني بعيني يوسف في تلك اللحظة، وكل القوة التي اكتسبتها
من تشجيع نفسي لا اعلم أين ذهبت لكنها كانت قد اختفت واختفى الناس من حولي
وحوله.. ولم يعد هنالك سوانا وقد انتظر الزمان متوقفاً مترقباً ما سيحصل.
انطلق
بخطواته الطويلة يوسف يمشي نحوي وانا اقول في نفسي ( تباً.. لا اشعر بأني قوية
كفاية )
كانت علامات الانزعاج واضحة عليه بأقترابه مني ولم يترك فرصة لاقول اي شيء لانه
أمسك بي ونظر نحوي بصرامة وانا أقاوم دون جدوى لافلت من يده وكدت افقد توازني انا
وعكازي الغبي، لكن كان يوسف لا يزال ممسكاً بيدي كما لو كان سلسلة من الفولاذ.
لم
اكن اعلم مايجول في ذهنه فصرخت عليه " يوسف ماذا دهاك؟ أفلت يدي الناس ينظرون
إلينا !!يوسف بنظرة خبيثة " الناس؟.. الا يفترض ان تكوني قلقة من زوجكِ ان يراني
ممسكاً يدكِ وليس ان تكوني قلقة من الناس الذين بالمناسبة لا احد يأبه بِنَا
حالياً؟تلعثمت قليلاً ثم قلت " هل انت في وعيك؟ اترك يدي يا يوسف فوراً!" وعدت
اقاومه بشكل مثير للشفقة بينما
بدى وجهه متألماً وهو يقول " توقفي عن هذا
اماني، لقد عرفت الحقيقة!تجمدت الدماء في عروقي خوفاً مما سمعت وتوقفت عن محاولة
جعله يفلت يدي التي كانت قد بدأت تؤلمني من قوة قبضته، حدقت في عينيه وانا قلقة
وسألت بحذر " عماذا تتحدث ... انا لا اعرف ماذا.."
قاطعني " لماذا لم تخبرينني بأن زوجكِ قد توفي ؟ " كان يصرخ وتلك المرة الاولى
التي أراه فيه غاضباً اما انا فقد كنت خائفة جداً مما اكتشفه، لم ارد إيذائه..
كنت خائفة عليه من نفسي ورأيت اني لم أعد استحقه.. جمعت ما تبقى لي من قوة وصرخت
وانا أقاوم رغبتي بالبكاء وحاولت ان اكون غاضبة قدر الإمكان " لماذا يجب عليّ
اخبارك ؟ .. وما الذي سيتغير ان قلت لك؟ لا شيء لانني لن اكون معك على أية حال
!ارتخت قبضته من رسغي ونظرة الصدمة واضحة عليه، لم ارد ان انظر اكثر اليه لقد
احسست بالألم، سحبت يدي من يده واشحت بنظري.
يوسف " لماذا ؟.. لقد اتيت فقط
الى هذا العالم لأجلكِ لانني..قاطعته " توقف ! .. إياك ان تقول لأجلي ! انت قمت
بذلك لأجلك لانه لو كنت حقاً تهتم لامري لاستمعت لرجائي واستجدائي لك ان لا
تذهب.. لكن دموعي وألمي لم تهتم له.. لقد ذهبت، وكل ما عانيته الى اليوم هو
بسببك، لانكِ لم تكن موجوداً ! انا أكرهك يا يوسف لذلك إياك و المجيء مجدداً. انا
لا اريد ان اراك في حياتي الى ان اموت !شعرت بأنني اكره نفسي وانا أجعله يشعر
بأني أكرهه، توجهت الى شقتي بينما بقي يوسف متجمداً في مكانه، بكيت ليلتها كما لم
افعل منذ سنين. ( انا اسفة يوسف ) ذلك كل ما رددته في داخلي طوال الوقت.