" لا توجد نهاية حقيقية، هو فقط المكان الذي تتوقف فيهِ أنت من القصة"
رواية قاع الظلام - الفصل 39
مر إسبوع على ذلك اليوم
اليوم الذي وجدت فبه القلادة ،المنفذ الوحيد للعودة الى آمانها ومنزلها مجدداً ،حاولت بشتى الطرق تذكر الكلمات التي رددها يوروتاس في إنتقاله ولكنها فشلت في ذلك
ذهبت في اليوم التالي الى كوخ الساحرة ، ولكنها لم تجدها ،بل وجدت الباب مُغلق والمنزل متأكل بالاتربة والنباتات كالمنزل الذي لم يطأه أحدٌ منذ وقتٌ طويل
تراودها الكوابيسُ ليلاً لتستيقظ مفزوعة، لتعيد إغلاق عيناها مجدداً حتى يتراوى لها ذات العينان الفحميتان التي يغلب على إحدهما اللون العسلي بمساحة صغيرة منها
تجلس الان أمام المدفئة حاضنة كلتا ركبتيها الى صدرها متشبتة بالغطاء من حولها ، شاردة في النار التي كانت تحرق نفسها ،تأكل من الحطب الموضوع داخلها مصدرة صوت طقطقة خفيفة
جاعلة من لونها الاصفر ينتشر في أنحاء الغرفة
بينما في الخارج ،فالسماء ما زالت تبكي على مأساة أحدهم فمنذ اليوم الذي فتحت فيه عيناها الى الان لم تكف السماء عن ذرف الدموع وكأنها اخذت محلها في البكاء
يطرق المطر بخفة على زجاج النافذة يطلب الاذن للتسلل الى الداخل ليقابلهُ الصمت من أصحاب المنزل ،حيث الهدوء والسكينة تعمان الارجاء
توردت وجنتيها لترتفع زاوية فمها بأبتسامة صغيرة حالما تذكرت إحتضانهُ لها في كل ليلة باردة
رجلٌ صلبٌ وقاسي مثله لا يجيد التعبير عن مشاعره بالكلمات أبداً
لطالما وجدت أفعاله التي تدل على إهتمامه بها وحبه لها خصوصا في الاوانة الاخيرة حيث زاد تعلق كل منهم بالاخر ، ولكنه لم يفصح عن مشاعره بكلمة واحدة بسيطة
غلبت التسائلات داخل عقلها
ماذا حدث بعد الحرب ؟! أقتل هيفيستيوس كما رأت ؟! ماذا عن بوسادين ماذا حدث لهُ !،
أما أثانيوس فتخشى التفكير لينتهي بعقلها راسمٌ مصيرٌ سوداوي لهُ
شعرت برطوبة فوق وجنتها ،رفعت يدها ماسحة قطرات الماء التي إنزلقت على وجنتها ،رفعت رأسها الى سقف الغرفة لتجد لا وجود لتسريب مياه
تلمست عيناها المبللة بدموعها ،" لماذا أبكي؟! سحقاً...منذ متى أصبحت يائسة هكذا "،
نهضت على أقدامها لتسير الى سريرها مستلقية عليه مقررة بأن تزور المرأة الساحرة مجدداً لعلها تجدها فهي سبيلها الاخير للعودة
ربما عودتهنْ كلاهما .
.....
حل الصباح لتستيقظ كعادتها على صوت مارلي ولكن هذه المرة كان الصوت بعيد وكأنها توبخ أحدهم من خلف باب الغرفة
" دعني أوقظ الفتاة ما تفعلهُ لا يجوز " ،
نهضت ڤيولا بجذعها العلوي مبعدة خصلاتها الفحمية عن وجهها لتضع أقدامها على الارض بغية الخروج من الغرفة لرؤية ما سبب كل هذه الجلبة عند باب غرفتها
" يا اللهي جيمس.." ،توقفت عن الكلام حالما فتحت ڤيولا الباب لتجد جيمس يحتضن مارلي محوطٌ خصرها بكلتا ذراعيه ،واضعٌ رأسه في جوف عنقها بينما يهمس لها بصوتٌ خافت جاعلٌ من وجه الاخرى يتورد ببعض الحمرة
" آآ..صباح الخير..." ،تمتمت ڤيولا بحرج داعكة عنقها بعدما أبعدت بصرها عن طيري الحب الذي أمامها ،
دفعت الاخرى جيمس عنها مبعدة إياه بكامل قوتها
" صباح الخير عزيزتي... كنت سأوقظك الان ولكن أحدهم وقف عائقٌ في طريقي" ،انهت جملتها ضاربة بطن الاخرى بكف يدها بخفة
إبتسم جيمس متلمس بطنه وهو يبتسم ببلاهة لمحبوبتة فلم يظن بأنه سيجد توأم روحه
" مرحباً مجدداً ڤيولا، عذراً عن الضوضاء التي أحدثناها بجانب غرفتك" ، تمتم جيمس لاف إحدى ذراعيه حول كتفي مارلي
" لا بأس " ،
" الفطور جاهز إغتسلي وإنزلي الى الاسفل" ،
اومئت لها لتسحب مارلي جيمس من ذراعه الى الاسفل حتى سمعت الاخرى آخر صوت لاحذيتهم وهي تطرق على آخر درجات السلم
....
" لقد أحرجتني أمامها جيمس لا تفعل هذا مجدداً" ، اردفت مارلي بسخط رافعة الملعقة أمام وجه الاخر الذي كان متكئٌ براسه على ذراعه بأستمتاع وهو يرى غضبها اللطيف
" كم أود أكلك عزيزتي" ، شهقت الاخرى ضاربة إياه على كتفه بينما وجهت بصرها ناحية السلم خوفاً من نزول الصغيرة وتسمع كلامه المحرج بالنسبة إليها
إستدارت الى الخلف وهي تتأتأ بسخط ليتعلق بصرها
الى الخارج من النافذة حيث قرص الشمس الذي توج السماء بعد عدة أيام من المطر المستمر
قهقهت بخفة لتجذب إنتباه الاخر
" ما الامر!"، تسائل بفضول فلماذا ضحكت هكذا فجأة ؟!
" لا شيء فقط راودتني فكرة سخيفة" ،
إعتدل الاخر في جلسته ليتكئ بضهره على الكرسي بينما وضع كلتا ذراعاه أمامه على الطاولة البيضاء التي تتوسط أرض المطبخ
" وما هي ؟"، ضحكت مرة اخرى
قائلة بحرج على فكرتها السخيفة " أحياناً أفكر بأن الجو مرتبط بمزاجك عزيزي " ،أنهت كلامها وهي تقهقه مرة أخرى لينظر جيمس الى الخارج حيث الشمس التي تتوسط السماء
" عزيزي ، هل لك أن تنادي ڤيولا.. هذه الصغيرة لا تكف عن التأخر أبداً ربما عادت للنوم... إنها حقاً شيئاً ما فهي ما زالت متشبتة بعاداتها السيئة " ،
قهقه جيمس ناهضٌ من على الكرسي ليقبل الاخرى على وجنتها متجهاً نحو الاعلى
دلف الى غرفتها بعدما طرق الباب عدة مرات
وضع خطواته داخل الغرفة " ڤيولا ،أأنتِ في الداخل؟" ،
توقف عن الكلام حالما أتاه صوت المياه القادم من الحمام ، إستدار الى الخلف مقرراً الخروج ليستوقفه لمعٌ ضرب عيناه ،عقف حاجبه ليسير ناحية المنضدة الموضوعة بجانب السرير
أمال رأسه ساحبٌ طرف السلسلة ، رفعها أمام وجهه لتتسع عيناه بدهشة وإستغراب حالما رأى بعض الظلام يحوم داخلها برقت عيناه بلمعة صفراء لتختفي بجزء من الثانية
" أعطني هذه.. من سمح لك بلمس أشيائي" ،
اردفت بشيءٌ من الغضب ليتمسك الاخر بالقلادة بقبضته قائلاً بنبرة جدية لم تعدها منهُ طوال هذا الاسبوع الذي مكثت فيهِ
نبرة تخفي في طياتها شيئاً من التسلط والقوة والهيمنة أشبه بالحكام الاخرين !
" من أنتِ؟ ماذا تفعل هذه القلادة معكِ" ،
إتسعت مقلتيها برهبة حالما رأت لمعان إحدى عيناه بلونٌ أصفر لامعٌ
" أيجب علي طرح هذا السؤال عليك أولاً!"،
تمتمت بنبرة خافتة والان قد إتضحت لها الاشياء ،جيمس ليس برجلٌ عادي ، ليس مدير لمحلات الزهور بل حاكمٌ آخر
" ما علاقتك بصاحب هذه القلادة ؟"، جز على أسنانه بنبرة خافتة لكي لا يصل صوته الى مارلي
بينما تجعدت ملامحه بشيءٌ من الحدة
" ڤيولا موعودة حاكم الظلام أثانيوس" ،
انهت كلامها جارة القلادة من يده بقوة ناظرة الى عيناه بقوة فأذا كان عدوٌ لاثانيوس فلن تظهر بمظهر الضعيفة أمامه فهذه إهانة لرَجُلها قبل أن تكون إهانة موجهة إليها
تسمر جيمس في بقعته حيث لم تتغير ملامحه بل بقيت على ذات التعابير الجادة ،ثانية.. ثانيتان لتعلوا زاوية فمه بأبتسامة صغيرة
ليست إبتسامة خبيثة أو ماكرة بل أبتسامة تنم على الحنين " إذن قد وجد ذلك الصغير موعودته !" ،
تمتم بنبرة خافتة وكأنهُ يكلم نفسه
رفع بصره إليها قائلاً بجدية بعدما إعتدل في وقفته
" أنا حاكم الشمس أبولو " ،
لم تستغرب الاخرى مما تسمعه فقد مرَ هذا الهراء عليها كثيراً
" مارلي موعودتي.. ولكنها لا تعرف عن حقيقتي
لا تخبريها لانها ستفزع.. عندما أجد الوق.." ،
توقف عن الحديث حالما قاطعته ڤيولا صادمة إياه
" لا تقلق إنها تعلم بشأني لن يكون من الصعب عليك إخبارها" ، إتسعت مقلتي جيمس بعدم تصديق فكل هذا الوقت الذي قضاه معها وهو يكذب عليها ليكتشف في نهاية المطاف بأنها على دراية بعالمهم ووجودهم
" ماذا يفعل حاكمٌ مثلك على الارض !"،
إبتسم جيمس بسخرية مكتفاً كلتا يداه الى صدره قائلاً
" وماذا تفعل موعودة ملك الظلام هنا على الارض!"،
تبادل كلاً منهما النظرات تزامناً مع قدوم مارلي لتراهم واقفين بهذه الحالة بنظراتهم المتحدية لبعضهم البعض
" أكل شيءٌ على ما يرام يا رفاق ؟!"
اومئت ڤيولا لها بأبتسامة صغيرة مرتسمة على محياها
" نعم بخير ،أنا أتضور جوعاً هيا لننزل لكي نأكل"،
.....
" الى أين ستأخذني على أي حال ؟!"،
جلست ڤيولا في المقعد الامامي من السيارة بجانب جيمس الذي أخذ يقود مستغلاً غياب مارلي عن المنزل فقد قرر إرسال هذه المزعجة التي بجانبه الى إخت دايون لاعادتها ومن ثم سيعود ليشرح كل شيء الى مارلي لعلها تتفهم موقفه وتسامحه
" لم تخبرني لماذا يتواجد حاكمٌ مثلك على الارض!"،تحرك الاخر في مقعده بغير راحة ليجعد أنفه بأنزعاج من فضولها يتسائل في داخله كيف إستطاع أثانيوس تحملها !
" لاني إرتكبت خطيئة وتم نفي الى هنا" ،
لم تستغرب ما تسمعهُ منه فجميع الاوغاد في ذلك الكوكب لديهم خطيئات ولكن ما الذي إرتكبه لكي يتم نفيه الى هنا !! فأثانيوس قتل والده وهيفيستيوس إغتصب موعودته ولم يتم معاقبتهم
ما الشيء السيء الذي فعله لكي يتم نفيه هكذا !
" لم أستغرب" ،تمتمت بملل رافعة إحدى خصلات شعرها أمام وجهها ،" سأخذك الى منزل أخت دايون لكي تنصرفي فوجودك بات يزعجني لا أستطيع فعل أي شيء مع موعودتي "،
انهى جملته بسخط فطوال الاسبوع السابق لم يقترب من مارلي او حتى يقبلها بسبب تواجد هذه المزعجة الصغيرة كما يُلقبها
قلبت الاخرى عيناها ليس وكأنها مولعة بتواجدها بين عصفوري حب فقد إشتاقت لاثانيوس كثيراً
تغلب التسائلات عقلها مالذي فعله خلال هذه المدة؟!
فثلاث اشهر ليست بمدة قصيرة ! أعاد كالسابق ،جلمودٌ بلا مشاعر ، حاكمٌ مزعج وبارد !
أيعاني سكان مملكته منهُ أم إنه قد نساها بالفعل
" ها قد وصلنا"، صرخ بسعادة فهذه فرصته للتخلص منها بأعادتها الى ذلك الكوكب ، فغرت ڤيولا فاهها فهي الان تقف أمام منزل متواضع بطلاء أبيض وأسوار حول الحديقة باللون البني
منزلٌ جميل وصغير ،سار الاثنان بأتجاه الباب طارقين عليه ،ليسمعا بعد قليل صوت أقدام وهي تضرب على الارض ،
فتحت العجوز الباب لترى أبولو أمامها ،نضرت الى جانبه لتتسع عيناها بدهشة حالما وجدت هذه الصغيرة فلماذا عادت مجدداً الى الارض !
" أعتذر عن الازعاج هنالك شيئاً تود هذه الصغيرة مناقشتهِ معك"،
.....
في مكانٌ آخر حيث تلك المملكة التي توشحت باللون الاسود بفعل الغيوم الداكنة التي كست سمائها وثقل الجو بفعل الظلام الذي تسرب من بين الأزقة والطرقات
لتصبح مملكة كئيبة ،باردة وخاوية كمن لا يعيش فيها أحد ، بينما إلتجئ السكان الى منازلهم حفاظاً على أرواحهم ،
ليصبح الزائر الوحيد هو الظلام الذي كان يطفو
في الارجاء من دون هوادة ،ضبابٌ أسود يحتضن المملكة بالكامل
لنعود الى الخلف ثلاثة أشهر
Flash back
وجه أثانيوس قبضته الدامية الى وجه كراجوس الذي تراجع الى الخلف مُمسكٌ بفكه الذي ينزف ،
" كنتُ أعلم بأن خروجكما معاً من القصر ليس بمحض صدفة"، تمتم بشرود ليختفي في ثانية واحدة ليظهر مجدداً أمام الاخر ممسكٌ بتلاليب قميصه
" بسببك... بسببك إختفت مجدداً"،قال جملته الاخيرة صارخٌ بقوة ليرتعد الجو ببرقٌ دوى صداه في ارجاء المملكة ،لمعت عيناه بدموع رفضت الخضوع
ليجز على أسنانه موجهاً ضربٌ أخرى الى كراجوس الذي إستقبلها بصدرٍ رحب
" سافلٌ أنانيي"، صرخ مرة اخرى بنصف جسده الذي سرت فيه عروقٌ سوداء تجذرت في النصف الايمن تاركة النصف الايسر خالياً منها تماماً
" الجميع أناني لو وصل الامر الى شخص نحبه "،
صرخ كراجوس ماسحٌ على جانب شفته الدامية ليقف أمام أثانيوس قائلاً
" ألم تكن ستفعل ما فعلته ،أنا شخص كنت أقاتل لاسترجاعها مضيت مئتي عام وأنا أعاني لوحدي"،
قهقه ألاخر بغير مرح ليسحب صولجانه شاداً على قبضته من حوله
" والان ستعاني موعودتك لوحدها.. مجدداً"،
انهى كلامه موجهاً ضربة ناحيته بصولجانه ليصطدم الاخر في الجدار الذي خلفه
تدخل هيدز واقفٌ في المنتصف وهو يناظر جروح أثانيوس التي تنزف من وجهه الى صدره وذراعه
" قفا عن العبث انتما الاثنان.. لا طاقة لكما للقتال مجدداً أتودون قتل بعضكما البعض!"،
طقطق أثانيوس رقبته بغضب وتعب جسدي ونفسي
يشعر بروحه تُسحب من جسده ففي كل مرة يذهب الى الجناح وهو مرهق تأتي ڤيولا لتزيل عنهُ تعبه بلمسة واحدة منها
ماذا سيفعل الان من دونها ! كيف سيجدها ؟!
تهدلت أكتافة بأستسلام وتعب من حياته التي
أرهقته لماذا عليه أن يعاني فقدان شخصٌ يحبه في كل مرة !!
تراجع الى الخلف وهو يسير بأرهاق الواضح من طريقة سيره الغير منتظمة .
خلل هيدز أصابع يده في شعره بغضب فجميع الحكام بحالة مزرية ، من هيفيستيوس الذي يصارع الموت في الداخل وبوسادين الذي تعرض لضربة قوية في كتفه
كراجوس الذي لا يسعنا قول إنه حاكم فقد تم إستبعاده خالين عنهُ المسؤولية بالكامل
نهض كراجوس من على الارض ليبتسم إبتسامة صغيرة ليس وكأنه تعرض للضرب المبرح الان
فقد أعاد موعودته وأخيراً ولن يهمه شيءٌ اخر لا منصبٌ ولا ثروة
خرج من الغرفة متجهاً ناحية فتاته التي تتوسط سريره
End flash back
في تلك الغرفة يستند رجلٌ بوجه شاحب وشعرٌ مبعثر على الجدار الذي خلفه ، بمفاصل يده المتخدشة بجروحٍ ،
إنه ليس بأي رجل بل أثانيوس الذي كان ينظر الى الشمس التي إختفى ضوئها قبل ثلاثة أشهر خلف ستائر الغيوم ،
ليهمس بنبرة خافتة وأجشة وكأنه لم يتكلم منذ زمن طويل أو كأنه لم يرتشف جرعة ماء منذ وقت
" لم يعد هنالك ضياءٌ فقد غادرت شمسي"،
أصبح شخصٌ لا يطاق بارد ووقح ،يتولى تعذيب المتعدين والخونة بنفسه بعدما كانت هذه مسؤولية كلاديوس لتصبح قبضته دامية طوال الوقت بخدوش وجروح
حاول عدة مرات قتل كراجوس ولكنه باء بالفشل
لحماية الاخرين لهُ ولكن بعد مدة توقف عن محاولة إغتياله بسبب شعور الفقدان الذي عاشه
حيث صار يفهم شعور كراجوس حينما ماتت موعودته فقد فقدها لمئتي عام
ماذا عنهُ !!
لم يستطع تحمل ثلاث أشهر ،لا يعلم هل هي على قيد الحياة أم عادت الى عالمها مجدداً ! أأنتهت مهمتها في هذا المكان ؟ ماذا عنه ماذا سيفعل
بعد إن إعتاد عليها
أغمض حدقتيه الخاويتين المتعبتين كمن لم يجافيه النوم ،فتح عيناه مجدداً ليقع بصره على اللوحة المعلقة على الجدار ولم تكن إلا صورتها حينما قابلها لاول مرة في البحيرة
إرتفعت زاوية فمه بأبتسامة حزينة ناظراً الى هذا الجدار المشؤوم كما أطلق عليه فكل لوحة يعلقها عليه يختفي صاحبها بعد فترة حيث تستقر لوحة
والدته بجانب فتاته
فتاتين فقط ،من عرفهما في حياته ،تعرفان كافة أسراره وتفاصيل حياته المملة ،لا يعلم هل قُدِرَ له بأن يعيش من دون فتاة !!
أحياناً يأكل الغضب جسده حالما يتذكر مخالفتها لكلامه فبسبب رأسها المتحجر لا يعرف أين هي الان ، تمنى لو هي أمامه لكي يوبخها كما في السابق
وربما مخاصمتها لايام لكي يعود عقلها الى رأسها مجدداً فحقاً قد تعب ، فكل ما يريده علاقة هادئة خالية من المشاكل والعوائق
تنهد ليقف بطوله جاراً أقدامه بثقل حاملٌ معطفه الذي حاكته لهُ والدته وأصلحته فتاته وكلاهما الان ليس معهُ .
......
في المشفى الخاص حيث مملكة أثانيوس
يمكث هيفيستيوس على إحدى الاسرة فقد دخل في غيبوبة أثر جروحه البليغة ولم يبدي أي حركة منذ ذلك اليوم
تجلس روديا بجانبه على السرير حاضنه كف يده من بين يداها واضعة رأسها على صدره ،فهذه حالتها منذ دخوله المشفى الى الان ،
تدعو في سرها بأن يستيقظ وستسامحه على كل أخطاءه السابقة ولن تشكوه أبداً ، ربما تبدو يائسة ولكن لا يسعنا لومها فمن سيحب شخصٌ تسبب الاذى النفسي والجسدي إليك؟!
رفعت رأسها عن صدره ماسحة على وجهه بيدها لتستشعر شعيرات لحيته الحادة من تحت كفها ،
" اللعنة عليك لم تجلب إلي سوى الألم منذ معرفتك الى الان" ،
إنزلقت دمعة من عيناها فوق وجهه لتمسح على شعره الكثيف مكملة خطابها
" إستيقظ لنعيد صنع تلك العائلة الصغيرة التي تمنيتها ولننسى أخطاء الماضي، ألا ترغب برؤية إريز يكبر أمامك ؟! ،إنه يفتقدك على الرغم من عدم تحدثه إلا إن هذا واضحٌ عليه"،
قهقهت بخفة حالما تذكرت مراقبته لوالده من خلف جدار المشفى وحالما رأته بهذه الحالة فر هارباً متصنعاً عدم الاهتمام واللامبالاة
" إنه يشبهك..يملك ذات العينان وذات التصرفات.. أحتاج أن أعمل عليه قليلاً لتغيير عجرفته فلا يمكنني تحمل نسخة اخرى منك" ،
أنهت كلامها لتنخفض مقبلة إياه على وجنته لتنهض مغطية إياه لتجلس مجدداً على الكرسي المجاور الى سريره
.....
أما بوسادين الذي كان يصطنع التعب والالم لكي تعتني هاڤين بهِ أكثر من هاڤرو إبنهم
على الرغم من شفائه الواضح حيث جرحه الذي صار يلتئم تدريجياً إلا إنه ما زال على ذات التمثيلية
الى أن طفح الكيل بموعودته مكتشفة كذبته في أحد الايام حالما رأته يلوح برمحه باليد المصابة
لتسير الاشهر معهم حتى إكتشفت حملها مجدداً من بوسايدن ليفرح الاخر ذات الفرحة وكأنه أول مولودٌ له !
متمنياً في داخله بأن تكون فتاة لا صبي وإلا سيجن حتماً فلن يحتمل وجود وغدٌ آخر
وفي ذات الوقت إكتشفت أدراستا حملها هي الاخرى
بعد عدة أشهر من إنتظارهم لمولودهم الجديد ،ليحرص هيدز عليها أكثر من ذي قبل
فلن يكرروا نفس خطأ الماضي ،
حتى بات الامر يزعجها كثيراً بسبب إصرار هيدز على عدم مغادرتها الغرفة من دون علمه او حتى أداء نشاط معين بحجة إنها حامل .
......
" إنها قلادة تخص أثانيوس.. نستطيع الانتقال معاً والعودة إليهم فهي تنقل أكثر من شخصين في ذات الوقت "،
اردفت ڤيولا بفرحة ناظرة ألى الاخرى التي كانت تنظر الى القلادة بشرود وعدم تصديق
" لكني منفية.. لا أستطيع العودة "،
اردفت بحزن طاغي على تجاعيد وجهها التي تحكي ما عاشته طوال فترة عيشها من صعاب وعوائق
" لستِ كذلك بعد الان فأثانيوس هو الحاكم الان ناهيك عن أعضاء المجلس الذي تم تغير نصفهم بسبب موت بعضهم فقراراتهم تسقط مع سقوطهم"
هز جيمس رأسه بالايجاب مقتنعاً بكلام هذه الصغيرة
" أتعرفين كيف تعمل على أي حال؟! "،
اومئت العجوز برأسها بالايجاب لتنهض جالبة قدرٌ فيهِ ماء لتضعه على الطاولة التي تفصل بينهنٌ
لتمسك بيد ڤيولا واضعة إياها في الماء مع يدها
" العامل الرئيسي في الانتقال ما بين العوالم هو الماء وربما سننفصل هنالك في حال وصولنا فلن نسقط كلينا في ذات المكان " ،
هزت الاخرى رأسها بأقتناع فقد تكرر هذا الامر معها أكثر من مرة فحدث في أول مرة تذهب فيها الى ذلك الكوكب وكانت عبر بحيرة
والمرة الثانية مع يوروتاس في خزان الماء العملاق المتواجد في مملكة كراجوس ،
خرجت من شرودها على تمتمت كاليا ببضع كلمات لم تستطع فهمها ،ليبدأ كلا جسميهما بالتشوش والاختفاء تدريجياً
إنفرجت أساريرها بفرحة ليضيء وجهها بسعادة
نظرت الى جيمس بعيناها اللامعتان ليبتسم الاخر لها بخفة وهو يراقب بتمعن إختفاء أجسادهنْ من أمامه
أنهت كاليا التعويذة تزامناً مع إختفائهن بالكامل ليبقى جيمس جالسٌ بمفردة يطالع تلك الارائك الخالية
تنهد بثقل ليقف على أقدامه متجهٌ نحو الخارج قاصدٌ منزل مارلي فهنالك الكثير للتحدث بشأنه
قاد السيارة عائدٌ الى المنزل ليصل بعد فترة
نظر الى الخارج من النافذة لاعقٌ شفتيه السفلية بحيرة لا يعلم كيف سيبدأ بالتكلم وهل ستتقبله أم لا
ترجل منها متقدمٌ من الباب ،دلف الى الداخل راميٌ مفاتيح السيارة في الوعاء الموضوع على الطاولة المجاورة الى الباب ،
" عزيزي هل هذا أنت؟"،خرجت مارلي من المطبخ لتتنهد براحة قائلة بتسائل " أرأيت ڤيولا ؟ لا أجدها في أي مكان"،
خلع جيمس معطفه معلق إياه على علاقة الملابس خلف الباب
" نعم لقد عادت الى حيث تنتمي"،
نظر الى وجهها الذي يغلب عليه الاستغراب والتسائل ليكمل " عادت الى أثانيوس مع كاليا" ،
إتسعت مقلتي الاخرى بصدمة لتنفرج شفتاها قليلاً فكيف يعلم عنهم ! ويتكلم هكذا وكأنه واحدٌ منهم
" عزيزتي ،لدينا الكثير للتحدث عنهُ"،
اردف بجدية واقفٌ أمامها لتهز الاخرى رأسها بتردد بالايجاب
.....
حل الليل في ذلك الكوكب فتحت ڤيولا عيناها ليصل لها صوت ترقرق المياه وتضاربه ،عقفت عيناها بضيق وإرهاق لتنظر الى جانبها إنها ذات البحيرة التي إنتقلت بواسطتها في المرة الاولى
رفعت بصرها الى الامام مجدداً لتعقف وجهها بألم أثر تصلب ظهرها، نهضت بجذعها العلوي ناقلة بصرها يميناً ويساراً لعلها ترى كاليا ،
وقفت على أقدامها لتترنح أثر الدوار الذي أصابها على حين غفلة ، مُتسكة بجذع شجرة مستندة عليها قليلاً حتى تعيد توازنها
نقلت بصرها مجدداً لتصرخ بصوتٍ عالٍ
" كالياا" ،
قابلها الصمت كردٌ عليها مع صوت حفيف الأشجار وتضارب أغصانهنْ ببعضهم البعض
تقدمت الى الامام محاولة النظر ولكن ما يمنعها هي الظلمة الحالكة الطاغية على المكان ، وكل ما يدور في رأسها ماذا حدث للمكان ؟!
لماذا يبدو كئيباً وحالكاً أكثر من ذي قبل !
فلم تكن مرتها الاولى التي تطئ بأقدامها أرض الغابة في الظلام ولكن إنها المرة الاولى لها أن ترى حلكة المكان
ما جذب بصرها هو سير بعض السراب الداكن على الارض ببطئ كالضباب
تقدمت اكثر محاولة على الاقل إيجاد يوروتاس
بما إنه الحامي الرئيسي للغابة
" كالياا أين أنتِ!" ،
اردفت بصوتٌ عالٍ بعدما زحف بعض الخوف داخل قلبها ومنظر المكان لا يساعدها بتاتاً على إبعاد الذعر من داخلها
جذب بصرها لون مصابيح تضيء المكان من بعيد مضيئة المكان بلونٌ برتقالي
وقفت على أرضٍ مرتفعة قليلاً لتجد الكثير من الرجال حاملين مصابيح بأشكال غريبة تحوم حولها شعلة نارية كأنها مُذنبٌ صغير يبحثون في الإرجاء عن شيء ما أو شخصٌ ما
تراجعت الى الخلف بعدم فهم لتستدير الى الخلف تزامناً مع غرسها لاقدامها في التربة لتتسع مقلتيها بأشتياق حالما وجدت سيربيرو يقف أمامها
زمجر الاخر بخفة مهرولٌ ناحيتها
وصل إليها لتنخفض الى مستوى طوله مداعبة فروه بأصابعها ليغرس الاخر وجهه في بطنها وهو يهرهر
كالقطط محركٌ ذيله على الارض يميناً ويساراً
" سيربيرو.. كيف حالك أيها اللطيف، لقد إشتقت إليك كثيراً ما الذي تفعله هنا بمفردك وأين أثانيوس ؟" ،
تمتمت بتسائل محدثة إياه لتسمع بعد قليل الى صوت تحطم أغصان الاشجار الناعمة وسحق بعض الاوساخ من فوق الارض
رفعت رأسها الى الامام لتتوقف عن مداعبة فرو سيربيرو حالما وجدت أثانيوس يقف أمامها مُهيمناً عليها بطوله الفارع مُمسكاً بصولجانه بيده اليمنى
وقفت على أقدامها هي الاخرى لتلاحظ تلك الشحوب التي تغزو وجهه الوسيم وعيناه المتعبتين بشعره المبعثر كعادته تقسم بأنها لم ترى حاكمٍ بأهماله لنفسه فجميعهم يحبون البذخ وصرف الاموال والاهتمام بأناقتهم
رمشت بعيناها بجزءٌ من الثانية لتعيد فتح مقلتيها تزامناً مع إنتفاضة جسدها حالما وجدته يقف بالقرب منها
لف ذراعه حولها رافعٌ إياها قليلاً غرس رأسه في رقبتها بعدم تصديق فها هي تقف أمامه بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف
طرق قلب الاخرى داخل صدرها بعنف لتغرس أنفها في رقبته فقد إشتاقت لرائحته الخاصة فميكنها تمييزها من بين مئة رجل فلا أحد يملك رائحة كرائحته
" أهذه أنتِ حقاً؟"، تمتم بخفوت بنبرة مستغربة فقد ظن إنه خسرها ، لفت الاخرى كلتا أقدامها حول خصره لتطبع قبلة صغيرة على رقبته لتلمع عيناها بدموع لسعادتها بعودتها مجدداً
الى أحضانه الدافئة ، رائحته المميزة ،أوامره اللامتناهية وطباعه الحادة ،يمكنها التغاضي عن سلبياته كما يفعل هو
يقف الاثنان كلاً منهما يحتضن الاخر بقوة غارقين بأذرع بعضهما البعض وكأن حياتهم تعتمد على ذلك ، غير عابئين بالمكان الذي يقفون بهِ أو بمحيطهم وكأنهم الوحيدان في هذا العالم
يتبع....